العولمة معناها ومراحل تطورها وأسبابها

 العولمة معناها ومراحل تطورها وأسبابها

مقدمــة:

يعتبر العالم الذي نعيش فيه في ظل القرن الحادي والعشرين كما يقال قرية كونية صغيرة . وذلك نتيجة للتقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي نتج عنها كثير من مظاهر التغير, ومن أهم مظاهر التغيير التي يواجهها العالم اليوم هو تأثير العولمة على مظاهر الحياة الاجتماعية سواء على مستوى الفرد في الأسرة أو على مستوى المجتمعات بصورة عامة

 


وظاهرة العولمة رغم أنها ارتبطت بالمفهوم الاقتصادي إلا أنها تؤثر بشكل جذري في مجالات السياسة والاجتماع والتعليم والثقافة وقد أصبحت حقيقة وحتمية لا يمكن تجاهلها او الهروب منها الأمر الذي يتطلب مواجهتها والاستعداد لها والتوافق معها وتفهم كيفية إدارتها بعقلانية وبما يحقق الأهداف التي تسعى إليها كل دولة. ( محمد صديق محمد حسن, 2004, 77)

 

والعولمة تلغي حدود الدول وتقيم مجتمعاً كونياً متصلاً بدون فواصل زمنية وجغرافية. يختزل حدود المكان وحدود الزمان وتحقق هذا كله وتعمل على الارتقاء به فتكنولوجيا الاتصال المتقدمة هي التي ساعدت على توحيد المكان والزمان في وحدة واحدة .( محسن احمد الخضيري, 2000, 27)

 

ولقد استطاعت ظاهرة العولمة ومنذ نهاية القرن العشرين أن تفرض نفسها بقوة لتطال عمق العالم بغرض إحداث تغيرات نوعية في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية تقودها ثورة لتكنولوجيا المعلومات ذات طابع كوني غاية في التطور والتعقيد ولأول مرة في التاريخ الإنساني، وفي ظل غياب توازن دولي على مستوى القوى الكبرى، ما يصطلح تسميته بعصر القطب الواحد. ( معتصم خضر عديله, 2007 )

 

لذا يمكن القول أن العولمة بالمفهوم المعاصر تعني : (الأمركة ) ، وهي كما هو مشاهد مكشوف ليست مجرد سيطرة وهيمنة وتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب ولكنها أبعد من ذلك بكثير فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية والقومية والوطنية وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير وهي بالتالي تحمل ثقافة ( غربية أمريكية ) تغزو ا ثقافات مجتمعات أخرى ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال عن الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية إن القرن القادم ( القرن الواحد والعشرين سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي ( .(سناء محمود عابد الثقفي, فوزي الكردي,5/6/2009 http//drfouz.comp=32  )

 

لذا ّ حذر كثير من المثقفين من ثقافة العولمة وعدوها نوعا من الهيمنة الأمريكية في الناحية الثقافية تهدف في محصلتها النهائية إلى تمجيد الجنس وانفلات المرأة تحت ستار التحرر والإباحية وتغيير النظرة العامة تجاه الشواذ.(سناء محمود عابد الثقفي, فوزي الكردي,5/6/2009 http//drfouz.comp=32  )

 

فنحن نعيش في عصر العولمة التي تحمل في طياتها إعادة النظر في كل القيم والمعتقدات والثورة على قبول المسلمات وتشجيع الفكر المستقبلي لأبناء الوطن وصياغة عقولهم بعيدا عن الفكر التقليدي.( بثينة حسنين عمارة, 2002, 9) 

تعريف العولمة:                                              Globalization   

لقد اختلف المفكرون في تناول العولمة في الوطن العربي فمنهم من تناولها من الجانب الاقتصادي مثل المفكر السوري "محمد الأطرش" حيث قال: "اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافة ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق".  وبعضهم تناولها من الناحية السياسية والثقافية والاقتصادية وتأثيرها على الوطن العربي.  إن عدم تبلور مفهوم العولمة لدى المفكرين العرب أدى إلى انقسامهم إلى مؤيد ورافض لها.  فهل يعود الاختلاط في الفهم إلى عدم دراسة المرتكزات الأساسية التي قامت عليها العولمة بعد انهيار الأنظمة الشيوعية، التي أشار إليها المفكر الأمريكي فوكوياما في مقالته بعنوان "نهاية التاريخ".

ولا يزال من الصعوبة تحديد مفهوم دقيق للعولمة نظراً لتعدد الاتجاهات التي تتناول العولمة كمفهوم سواء اقتصادي ام سياسي أم ثقافي أم اجتماعي.( محمد جاد احمد , 2008, 36 )

 

المعنى اللغوي للعولمة:

العولمة في معناها اللغوي تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله. (نجاة عبدالله محمد بوقش, 2002, 225)

 

المقصود بالعولمة:

إن العولمة وإن كانت كلمة واحدة, إنما لها مفاهيم عديدة جداً, وتختلف باختلاف الثقافات والحضارات فالعولمة من وجهة نظر الدول الصناعية والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بأن العولمة هي التفوق الحضاري الذي يبشر بالخير والرخاء والسعادة للعالم وأنها الوسيلة الوحيدة لانتشال الإنسانية من التأخر والتخلف... الخ. فيما مفهوم العولمة من وجهة نظر (الشعوب) في الدول النامية هي: الهيمنة الأمريكية وسيطرة الحضارة الغربية على الحضارات الأخرى وكذلك فهي شكل من أشكال الاستعمار الاقتصادي الغربي عامة والأمريكي خاصة والمتمثلة بسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على أسواق العالم.(محمد خير مسامر, 2002 ,4)

 

العولمة مصطلح يعني باختصار إكساب الشيء صفة العالمية.

ويتضمن هذا المصطلح تذويب الفوارق الدينية والثقافية والوطنية لتحقيق قوة واحدة تحكم الأرض, فهي تسعى لإلغاء جميع الفروق بين المجتمعات, فلا يكون هناك انتماء لأي وطن أو دين أو ثقافة, بل يتحد كله معاً ويتم تذويبه في بوتقة واحدة ....وطن بلا حدود, قرية واحدة, ثقافة ومعلومات واحدة, ودين واحد. .(سناء محمود عابد الثقفي, فوزي الكردي,  

 

العولمة هي ظاهرة قادمة من الغرب من مجتمعات متقدمة حضارياً متجهة إلى مجتمعات نامية ومتخلفة, والتعامل معها بنجاح يتطلب بناء الذات والارتقاء بها في المجالات المختلفة حتى يكون التعامل مع تلك الظاهرة ايجابياً. ( حافظ فرج احمد, 2003, 17)

 

وتعرف ( عواطف عبد الرحمن, 1999, 17) العولمة بأنها" احتواء للعالم وفعل ارادى يستهدف اختراق الآخر ، ولذلك تعد العولمة إرادة لاختراق الآخر وسلبه خصوصية الثقافة "

 

وتعرف ( بثينة فرج احمد, 2000, 41) العولمة بأنها إزالة الحدود الاقتصادية والعلمية والمعرفية بين الدول ليكون العالم أشبه بسوق موحدة كبيرة يضم عدة أسواق ذات خصائص وصفات تعكس خصوصية أقاليمها كما تعكس المتطلبات التي يفرضها التكامل الاقتصادي العالمي.

 

وتعرف العولمة من الجانب الاقتصادي كما يعرفها صندوق النقد الدولي بأنها التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى تدفق رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في إرجاء العالم كله.

وعلى الرغم من غلبة البعد الاقتصادي على أكثر تعريفات العولمة, إلا أن دلالة المصطلح في تطورها استقرت على أن العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك ويكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود والسياسة الدولية. (عمر عبدالله كامل, 2002, 3)

 

ويرى المفكر الألماني نورمان فان شرينبرغ : " إن العولمة تعني بالمقام الأول بالنسبة لشعوب هذا العالم التحدي و القيام بالشئ الضروري  و اللازم لكي تثبت أنفسها كأمم. و لا يتحقق ذلك بواسطة التقوقع أو الاختباء وراء الأسوار، من خلال إثبات الذات في تنافس الثقافات ".( نورمان فان شرينبرغ,2002, 20)

 

والعولمة في مفهومها المثالي تقوم على انتقال المتغيرات والظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية من مكان لأخر بشكل يؤدي إلى خلق عالم واحد أساسه توحيد المعايير الكونية وتحرير العلاقات الاقتصادية وانتشار التقدم التكنولوجي وتقريب الثقافات ونشر المعلومات وعالمية الإعلام والمعلومات والإنتاج المتبادل .(مختار عبدالخالق عبداللاه, 2007)

 

مراحل تطور العولمة:

قسمت مراحل تطور العولمة إلى خمس مراحل يمكن إيجازها على النحو الأتي:

1- المرحلة الجنينية: وقد بدأت هذه المرحلة في أوروبا منذ أوائل القرن الخامس عشر الميلادي حتى منتصف القرن الثامن عشر, وفيها شهدت تنمو المجتمعات القومية وتفاقمت الأفكار الخاصة بالفرد والإنسانية.

2- مرحلة النشوء : واستمرت في أوروبا منذ القرن الثامن عشر الميلادي حتى عام 1870 وما بعده, وهنا أخذت المفاهيم الدولية في العلاقات والاتفاقات الدولية , ومفهوم الإنسانية تتبلور على نحو أكثر تحديداً, كما زادت إلى حد كبير الاتفاقات الدولية, ونشأت المؤسسات الخاصة بتنظيم العلاقات والاتصالات بين الدول, وبدأ الاهتمام بموضوع القومية والعالمية.

3- مرحلة الانطلاق: وامتدت من عام 1870 وما بعده حتى العشرينيات من القرن العشرين, وظهرت مفاهيم كونية مثل ( خط التطور الصحيح ), و(المجتمع القومي المقبول), ومفهومات تتعلق بالهويات القومية والفردية وتم إدماج عدد من المجتمعات غير الأوروبية في المجتمع الأوروبي .

4- مرحلة الصراع من أجل الهيمنة : واستمرت هذه المرحلة من العشرينيات حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين الميلادي, وبدأت الخلافات والحروب الفكرية حول المصطلحات الناشئة الخاصة بعملية العولمة التي بدأت في مرحلة الانطلاق, ونشأت صراعات كونية حول بعض القضايا مثل : صور الحياة وأشكالها المختلفة, وتم التركيز على الموضوعات الإنسانية , نظراً للأحداث الشهيرة مثل: ( الهولوكست) وإلقاء القنبلة النووية على اليابان وبروز دور الأمم المتحدة.

5- مرحلة عدم اليقين: ورغم أنها بدأت في الستينات لكن نتائجها المتمثلة في بلورة اتجاهات, وخلق أزمات لم تظهر إلا في التسعينات . وهنا تم إدماج العالم الثالث في المجتمع العالمي, وتنامي الوعي الكوني , وحدث هبوط على القمر وتفاقمت القيم ما بعد المادية , وشهدت هذه المرحلة نهاية الحرب الباردة, وشيوع الأسلحة الذرية, كما وانتشرت المؤسسات الكونية والحركات العالمية.( احمد محمد الدغشي,)

 

أهداف العولمة:

أن هدف العولمة هو الحفاظ على مصالح الأقوياء، ولو كان ذلك على حساب قيم الآخرين، مما ينجم عنه تصاعد نزعة ثقافية تسلطية، لا تعترف بالخصوصيات الجهوية والإقليمية، ثقافية كانت أو سياسية أو اجتماعية، التي تنفرد بها كل مجموعة بشرية على حدة، وهذا ما يطلق عليه العجرفة الثقافية، حيث يرى أن العولمة تتغذى من العجرفة الثقافية التي تمنح أصلها من الجهل واللامبالاة تجاه أنساق قيم أخرى وتجاه حقها في الوجود.

 

وكذلك تهدف العولمة إلى إزالة الحواجز المكانية والرمانية والثقافية والسياسية والاقتصادية بين الأمم والشعوب، وتحاول بطرق مختلفة فرض قيم معينة وحضارة معينة بما يتفق مع مبادئ العولمة لذا فأهدافها في النقاط التالية: ( سعد خلف عبدالوهاب.2004, 21-23 )

  1- محاصرة الناس في كل مكان في العالم عن يمينهم وشمالهم وخلفهم وأمامهم0

  2- تعقيد البعد العسكري لتصبح العولمة هي قوة الردع الوحيدة في العالم وذلك من خلال:

    توحيد النظام لأمنى ونشر قوات حفظ السلام والعمل على تنفيذ الشرعية الدولية ،كما تهدف إلى السيطرة السياسية من خلال جلب حكومات العالم تحت مظلة العولمة والعمل على تأديب من يظهر العصيان عليها ، العمل على زيوع وانتشار الفوضى السياسية في الكثير من بلدان العالم وذلك من خلال اشتعال فتيل الحروب الأهلية في بعض دول العالم 0

   3- أما الهدف الاقتصادي هو بزوغ سوق كونية اقتصادية موحدة والعمل على تدويل المخرات القومية لتصب في أوعية المراكز المالية الكبرى لتجرى إعادة تداولها في شكل قروض لبلدان العالم الثالث 0

   4- الهيمنة على مدخرات العالم ، وتحويل أسواق العالم الثالث إلى أسواق استهلاكية0

   5- أما هدفها الثقافي والتعليمي والإعلامي هو:

·      القضاء على الهويات والعمل على فرض نظام ثقافي موحد على كل أنحاء العالم مربوط بشبكة إعلامية واحدة تبثه أجهزة إعلامية معولمة 0

 

·      تغيير مناهج التعليم بما يتفق مع مصالحها وأغراضها وذلك من خلال بث وطرح الآلاف من المسلسلات والصور التي تحبذ السلوك الغربي تحت شعار التمدن أو التمدين نفسه 0

 

·      أما هدفها الإعلامي فهو يتمثل في نشر مفاهيمها وقيمها وغزو عقوق وأرواح الأجيال الشابة في البلدان 0

 

   6- أما هدفها الاجتماعي هو الترويج لأنماط معينة في العلاقات الأسرية والاجتماعية والجنسية السائدة في الغرب ، والعمل على غرسها وإحياءها في مجتمعات أخرى في العالم 0

 

أسباب وبواعث العولمة: ( حافظ فرج احمد, 2003, 14)

باستقراء التاريخ يتبين أن العولمة المعاصرة ليست جديدة، ولا هي وليدة وقتنا الحاضر. فهي ظاهرة نشأت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية. ففي السابق حاولت الإمبراطوريات -مثل الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية- أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها، وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب. وقد عملت هذه الإمبراطوريات لتوجيه قيم هذه الشعوب وتقاليدها وحضارتها، وفق أنماط الحياة التي تريدها. فكانت هذه الخطوة نحو العولمة.

ونبعت العولمة من ثلاث بواعث هي:

- البواعث السياسية: حيث انتهاء المواجهة بين الشرق والغرب، وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشرقي.


- البواعث التقنية: وهي الثورة المعلوماتية، حيث شهدت هذه الفترة طفرة تقنية هائلة في مجال الاتصالات الإلكترونية وانتقال المعلومات، حيث ساهمت مساهمة فعالة في حدوث العولمة .

يقول "بيل غيتس" في كتابه الطريق إلى الأمام: "سيفضي الإنترنت إلى تغيير جذري في شكل العالم من حيث أوجهه المختلفة".  ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة قد وظفت الإنترنت لخدمة شؤونها الإستراتيجية والسياسية.  وقد أشار زعيم اليمين المحافظ في الولايات المتحدة "نيوت غينغرش" في كتابه نهوض أمريكا إلى "أن التفوق ألمعلوماتي سيضمن لبلاده السيطرة على العالم والتحكم به")

 

-البواعث الاقتصادية: وظهور منظمة التجارة العالمية عام 1995م، ومقرها جنيف لتخلف الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية (الجات) وكتتويج لانتشار مذهب التبادل الحر واقتصاد السوق الذي بات أيديولوجية تسيطر على العالم شرقه وغربه، وهو ما وافق عليه قادة العالم عام 1998م، أثناء مشاركتهم في الاحتفال بمرور 50 عاماً على الجات, وظهور الشركات متعددة الجنسيات.

 

إن العولمة لا تعني تفاعل المكان فقط, بل وهو المدهش حقاً تفاعل الزمان أيضاً, ومن ثم فان العلاقات الرابطة ما بين الزمان والمكان هي التي تقرر لماذا العولمة, وتوجد العديد من الأسباب والتي أهمها:

السبب الأول : التشوق إلى مزيد من الحرية, وهو الحلم الرئيسي للإنسان, حلم أن ينعم بمزيد من الحرية , بمزيد من الديمقراطية, أن يرفع عنه قيود القهر والاستغلال, ان يرفع عنه عبء الظلم والاستبداد, وأن ينعم بكونه إنسان حر, له حقوق, وعلى العالم ألا يحرمه منها, بل على النظام العالمي أن يصون له حقوقه.

السبب الثاني: تحقيق الرفاهية الإنسانية, والتي تكفل مزيداً من المتعة, مزيداً من الحياة الجيدة الكريمة للإنسان متمثلة في:

-                مزيداً من الرعاية الصحية والاجتماعية, والإنسانية.

-                مزيداً من التعليم والثقافة الحيوية واحترام الحقوق السياسية.

السبب الثالث : تعظيم الأخلاق والمبادئ الحميدة, فالعولمة تعمل على ترسيه مبادئ وتأسيس أخلاق. وفي الوقت ذاته ترفع من احترام وتقديس القيم وبشكل كامل ومتكامل وعالمي وهي بذلك تعمل على إيجاد مبادئ عامة تصون الحياة الإنسانية.

السبب الرابع: تحقيق وتفعيل الجمال والمتعة والخير, بمعنى آخر جعل السلوك الإنساني أكثر تهذيباً, وأكثر جمالاً, وأكثر إنتاجا للخير العام لكافة البشرية, أي تنمية الذوق والإحساس بالجمال والخير, والسعي إلى حياة أفضل ورفض القبح بكل أشكاله وألوانه.....وهو ما يستدعي من قوى العولمة العمل على:

·                إرساء قواعد العدالة ومحاربة الطغيان والظلم والقهر.

·                إرساء روح التسامي ومحاربة التعصب والاضطهاد.

·                إرساء روح المحبة والتعاون والخير ومحاربة الكراهية والاستئثار والشر.

السبب الخامس : تحقيق العقلانية الرشيدة في استخدام الموارد وبالشكل الذي يحافظ على توازنات البيئة الطبيعية, ويحميها من التلوث , ومن جور الإنسان على الموارد القابلة للنفاذ وعلى حرمان الأجيال القادمة من حقها في حياة أمنة نظيفة ....وبما يستدعيه ذلك من إجراء تغييرات في نظم الإنتاج وتعمل على:

·           معالجة الهدر والفاقد والضائع في العمليات الإنتاجية وعدم السماح بتبديد الموارد.

·           رفع الكفلة الإنتاجية وإنتاج فقط ما يحتاجه العالم ودون أن يكون هناك فائض مغالى فيه.

·           التحول إلى توظيف الإنسان في مجالات جديدة إبداعية ارتقائية.

السبب السادس: تحقيق مزيد من الديمقراطية والمشاركة الفاعلة كحق الإنسان في الاختيار, وحق الإنسان في المشاركة , وحق الإنسان في بحث حاضره ومستقبله, في إيجاد النظم الكفيلة بالحفاظ على حقوقه وصيانة هذه الحقوق , وفي التعبير عن إرادته . وليس في تزييف هذه الإرادة , وفي إنهاء كافة صور الاستغلال والسخرة والسلب وممارسة القهر المريض.

السبب السابع: تحقيق مزيد من التعاون الخلاق , القائم على تفعيل مواهب العباقرة , واحترام نبوغ الآخرين , بل ومساعدتهم على التفوق , ومن القدرة على ارتياد المجهول بشغف , واكتشاف الجديد الأفضل الأكثر إشباعاً وإمتاعاُ وغنى.

 

مجالات العولمة :

 أولاً : العولمة الاقتصادية

  العولمة هي أساسها مفهوم إقتصادى قبل أن تكون مفهوم علمياً أو سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعيا ،كما أن أكثر ما يتبادر إلى الذهن أن عند الحديث عن العولمة هي العولمة الاقتصادية.

  

والعولمة الاقتصادية توحي أن الذي تشكل في التسعينات قد أصبح عالماً بلا حدود اقتصادية لأن النظم الاقتصادية المختلفة أصبحت متقاربة ومتداخلة ومؤثرة في بعضها ولم تعد هناك حدود وفواصل بينها 0

 

 إن النظام الإقتصادى العالمي هو اليوم نظام واحد تحكمه أسس عالمية مشتركة وتدبره مؤسسات وشركات عالمية ذات تأثير على الإقتصادات المحلية 0

  وتهدف إلى تحويل العالم إلى عالم يهتم بالاقتصاد أكثر من اهتمامه بأي أمر حياتي آخر بما فى ذلك الأخلاق والقيم الإنسانية التي تتراجع تدريجياً وتستبدل بالعلاقات السلعية والربحية النفعية 0 ( حافظ فرج احمد, 2003, 20)

 

ثانياً العولمة الثقافية :

إن العولمة الثقافية هى ظاهرة جديدة تستمد خصوصيتها من عدة تطورات فكرية وقيمة وسلوكية برزت بشكل واضح خلال التسعينات، ويأتي في مقدمة هذه التطورات انفتاح الثقافات العالمية المختلفة وتأثرها بعضها ببعض، ولم يصبح في التاريخ أن أصبحت المناطق الثقافية منفتحة ومنكشفة أكثر من الآن ، مثل هذا الانفتاح يحدث في للمرة الأولى في التاريخ ولا يتضمن بالضرورة ذوبان الثـقافات أو الحضارات مع بعضها لبعض ( حافظ فرج احمد, 2003, 22).

 

وتعتبر العولمة كامتداد للتدويل ، فبعد مرور النصف الأول من الثمانينات دخلت الاقتصادات المتقدمة في مرحلة توسع جديد وغير مستقر تزامن مع النصف الثاني للثمانينات بعد حرب الخليج ، وخلال هذه الفترة عرفت ظاهرة التدويل ارتقاء في مستواها وتحو ً لا في نوعيتها لعبت فيه تدفقات الأموال الخارجية دورًا أساسيًا يفوق تأثير عنصر التجارة الخارجية ، وهكذا زادت وتيرة انسياب الاستثمارات عبر الحدود في جميع القطاعات الإنتاجية بما فيها الخدمات من خلال عمليات اقتناء المشاريع من طرف الشركات المتعددة الجنسيات حتى أنه في الفترة مابين العامين ١٩٨٥ ، م ١٩٩٥ تمت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمعدل وسطي بلغ 18.4%  بالمقارنة بنمو إجمالي الناتج المحلي العالمي البالغ 8.5 %.(عمر عبدالله كامل, 2002, 3)

 

     ثالثاً : العولمة السياسية

   إن السياسة بطبيعتها محلية ، وهى من أبرز اختصاصات الدول القومية التي تحرص كل الحرص على التفريط بها واحتكارها ضمن نطاقها الجغرافي الضيق ومجالها الوطني الأضيق، ولذا فإن احتكار السياسة ضمن المجال المحلى وبعيداً عن التداخلات الخارجية ، مرتبط أشد الارتباط بمفهوم السياسة وبممارسة الدول لصلاحيتها وسلطتها على شعبها وأرضها وثرواتها، ولقد أصبحت ممارسة الدول لسيادتها من أهم مقومات الدولة القومية 0

 

 إن الدولة القومية هي نقيضه العولمة، كما إن السياسة ونتيجة لطبيعتها المحلية ستكون من أكثر الأبعاد الحياتية مقاومة للعولمة التي تتضمن انكماش العالم ، وإلغاء الحدود الجغرافية، إن قيام عالم بلا حدود سياسية لاتعنى القضاء على الدولة أو بروز الحكم العالمي، وإنما تضمن دخول البشرية مرحلة سياسية جديدة يتم خلالها الانتقال الحر للقرارات والتشريعات والسياسات والقناعات والخيارات عبر المجتمعات والقارات وبأقل قدر من القيود 0

   إن المجال السياسي المحلى أخذ يتراجع تدريجياً لصالح المجال العالمي، ولم تعد الدولة مركز السياسة في عالم العولمة، ولم تعد صاحبة القرار الوحيد وهى ليست المسؤلة مسؤولية كاملة عن أفرادها وحدودها واقتصادها وبيئتها 0 ( حافظ فرج احمد, 2003, 24- 26)

 

مظاهر العولمة في مصر:  

لقد بدأت العولمة في مصر مع عصر الانفتاح على العالم الخارجي وانعكس ذلك على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وكان من أهم هذه المظاهر التي تسهم في شيوع العولمة ما يلي: (محمد جاد احمد, 2008 ,39)

1- زيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر.

إذا نظرنا إلى واقع السياسة الاقتصادية في مصر سوف نجد أنها تدعم الاستثمارات الأجنبية وتوفر لها كل القوانين التي تشجع على زيادتها وفي الوقت تحافظ عليها في ضوء المعايير الدولية التي تحكم هذا المجال , وتمتد هذه الاستثمارات لتشمل فروعاً من الصناعة التحويلية والسياحة والبنوك وغيرها من الخدمات والقروض الأجنبية تقدم بدرجة متزايدة إلى مشروعات القطاع الخاص أيضاً بالإضافة إلى القروض المقدمة إلى الدولة ومشروعات القطاع العام ويؤدي هذا بدوره إلى التوجه نحو الرأسمالية التي تدعو إليها الدول المتقدمة وتحاول نشرها بين الدول النامية وهذا هو بداية ظاهرة العولمة.

وصدر في مصر عدد من القوانين والقرارات التي أجازت زيادة نسبة ما يمتلك غير المصريين من رؤوس أموال البنوك المشتركة والخاصة إلى (49%) كما أجازت تملكهم العقارات المبنية والسماح لهم بإقامة وإدارة مواني تجارية عبر نهر النيل وفروعه كما اقر مجلس الوزراء تعديل احد عشر تشريعاً جديدأ بهدف منح المستثمر الأجنبي حوافز أوفر. (نبيل رشاد, 2001, 139)

 

وبالرغم من الفوائد التي تعود على الدولة من زيادة قيمة الاستثمارات الأجنبية فإن هذا يتوقف على مدى خطورة الاستثمار الأجنبي على الأهداف والسياسات التي تضعها الدولة المضيفة والمتعلقة بالعرض المحلي وبطبيعة المنافسة والقواعد العامة التي تحكمك هذا الاستثمار من المنافسة الهدامة بين الدول النامية من أجل جذب رأس المال والتي تتمثل في حوافز مبالغ فيها وإعفاءات ضريبية غالباً ما تؤدي إلى خفض الإنفاق العام , وانتقال عبء الضرائب على المواطنين والمنشآت الوطنية.( بثينة حسنين عمارة, 2000, 89)

 

وهذا سوف يؤثر على بعض المؤسسات الخدمية التي تقدم لها الدولة دعم مثل المؤسسات التعليمية والصحية وبالتالي تتأثر العملية التعليمية بهدف تطويرها حتى تساير التطورات التي تحدث في معظم دول العالم في مجال تطوير التعليم. (محمد جاد احمد, 2008 ,40)

 

 

 

2- التوجه نحو الخصخصة:

الخصخصة والمتمثلة في بيع جزء أو كل أسهم القطاع العام الحكومي إلى شركات أو مساهمين أجانب تحت مسمى البحث عن شريك استراتيجي وهذا التوجه العالمي وإن كانت فيه إيجابيات في الدول الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر إلاّ أن له مخاطر مستقبلية على الاقتصاد الوطني في الدول النامية عامة والدول العربية خاصة ولم يتضح بعد مدى الآثار السلبية لبرامج الخصخصة لأنها برامج جديدة لم يمضي زمن كافي للحكم على نتائجها الإيجابية أو السلبية, إلاّ أن المختصين الاقتصاديين يؤكدون احتمال سيطرة رأس المال الأجنبي على المؤسسات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية والاتصالات وكذلك على بعض الخدمات حيث أن شروط ومبادئ الخصخصة هو السماح للمستثمر الأجنبي التملك 100% من أسهم الشركات والمؤسسات الوطنية.(محمد خير مامسر, 2002, 8)

والتوجه نحو الخصخصة هو اتجاه قوي في مصر يدعو إلى تقليص دور القطاع العام الذي تمتلكه الدولة وإعطاء فرصة كبيرة للقطاع الخاص الذي يمتلكه أفراد للمشاركة الاقتصادية وتخفيف العبء عن الحكومة في هذا الجانب بهدف تحسين وتطوير الإنتاج . (محمد جاد احمد, 2008 ,41)

 

وبهذا فإن الخصخصة التي تتبناها سياسة الدولة تسهم في سرعة شيوع مظاهر العولمة وتؤثر في تخفيض فرص العمل بالإضافة إلى تخفيض الدخول الرسمية نتيجة لزيادة الأسعار في معظم السلع وفي المقابل  لا ترفع الحكومة المرتبات بما بعادل الزيادة في التضخم ويؤدي هذا إلى ارتفاع نسبة الفقر بين أفراد المجتمع وبالتالي يقل الطلب على التعليم من اجل الاتجاه إلى العمل في سن مبكرة لبعض أفراد الأسرة حتى يسهم في زيادة الدخل من أجل مواجهة ارتفاع نفقات المعيشة ويؤدي هذا في إلى زيادة نسبة التسرب من التعليم. (محمد جاد احمد, 2008 ,42)

 

3- تزايد أعداد الشركات متعددة الجنسيات:

تعتبر الشركات متعددة الجنسيات في عصر العولمة قد حلت محل الدولة، كما حلت الدولة محل الإقطاعية تدريجياً منذ خمسة قرون، تحل اليوم الشركة متعددة الجنسيات تدريجياً محل الدولة. ويرجع سبب ذلك إلى التقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاجية والحاجة إلى أسواق أوسع، إذ لم تعد حدود الدولة القومية هي حدود التسويق الجديدة، بل أصبح العالم كله مجالاً للتسويق سواء كان تسويقاً لسلع تامة الصنع أو تسويقاً لمعلومات وأفكار، فقفزت الشركة المنتجة فوق أسوار الدولة وأخذت بالتالي الدولة تفقد قيمتها الفعلية، بل أصبحت أكثر فأكثر أسوارا شكلية سواء تمثلت في حواجز جمركية أو حدود السلطة السياسية أو حدود بث المعلومات والأفكار، أو حدود الولاء والخضوع( معتصم خضر عديله,2007)

 

والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية تلعب دوراً رئيسياً في عولمة الاقتصاد العربي والمصري, وهذا في صالح الدول التي تمتلك هذه الشركات والمؤسسات ويؤدي هذا بدوره الى إضعاف الاقتصاد المصري وزيادة الركود في المنتجات المحلية وفي الوقت ذاته زيادة الاستهلاك للمواد الغذائية أو العطور أو المشروبات التي تنتج داخل الشركات متعددة الجنسيات وأيضا تسهم في غرس قيم وعادات تنتمي إلى المجتمعات الغربية وهذا يؤثر في النظام التعليمي القائم داخل المجتمع العربي والمصري ويزيد من العبء على الأهداف المرجوة منه. (محمد جاد احمد, 2008 ,44)

 

4- دخول مصر عصر الأقمار الصناعية.

يلعب الإعلام دوراً كبيراً في التوعية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ونشر التعليم في ظل العولمة ولهذا سارعت الدول العربية ومصر في الدخول إلى عصر الأقمار الصناعية بداية بإطلاق القمر الصناعي "عربسات" الذي يحمل قنوات تعبر عن الثقافة العربية الإسلامية. ثم إطلاق القمر الصناعي "نايل سات" وكل هذا بهدف تجويد الرسالة الإعلامية من حيث الشكل والمضمون حتى تتجاوب معها الجماهير بحيث يصبح الإعلام العربي والمصري كقوة جذب للمشاهدة سواء في الداخل أم ي الخارج وأيضاً يستطيع التصدي لوسائل الإعلام الغربية والأمريكية التي تنشر مظاهر العولمة. (محمد جاد احمد, 2008 ,44)

    

إيجابيات وسلبيات العولمة: (بثينة حسنين عمارة, 2002 , 22-24 )

 أولا : الإيجابيات :

هناك العديد من الإيجابيات منها الآتي :

1ـ العولمة هي إمكانية التعامل اليقظ مع الواقع العالمي بكل مفرداته ، لذلك فه تأتى اتساقاً مع نظم الحياة التنافسية 0

2ـ إنها دعوة لاستنهاض الهمم والثورة على قبول المسلمات بعد أن أصبح قبولها في آخر المطاف وليس بدايته 0

3ـ إن العولمة تستدعى السعي إلى التميز والإتقان والارتفاع بمستوى الطموح للفرد والجماعة 0

4ـ إن العولمة تهدف إلى مناشدة الكمال وقبول التغيير،فلذلك تسعى إلى تهميش النزعات العنصرية والمذهبية من أجل التوحد مع الأسرة العالمية 0

5ـ إنها تحمل في طياتها عدم المغالاة والاستسلام للغبيات وإعادة النظر في ترتيبها على سلم الأوليات الأزمة لرقى المجتمعات 0

6ـ إن العولمة تنمى الصدق والجرأة في الحق والوضوح في التعامل مع النفس والآخرين بعد أن أزاح العلم القناع عن طبيعتها لينكشف المختفي منها 0

7ـ إن العولمة تسعى إلى تبنى وترويح الفكر المستقبلي لأبناء الوطن بصياغة عقولها بعيداً عن الفكر التقليدي والتمسك بالماضي 0

8ـ ليست العولمة قاطرة للتنمية الشاملة بقدر ما هي قضبان يسير عليها الفكر الجديد 0

9ـ إنها محك حقيقي لاختبار ما درجنا عليه من أفكار،وجهاز قياس أما نطبقه من ممارسات عملية في شتى قطاعات الاقتصاد القومي 0

10ـ إنها النتاج الشرعي لتحرير التجارة العالمية ،ومحصلة القوى لعديد من المنظمات الدولية التي تقاسمها فكر الاعتماد المتبادل بين الدول 0

11ـ إن العولمة هي البديل المقبول للدول النامية في خلاصها من مأزق التخصص في تجارة منتجات أولية متدنية القيمة 0

12ـ دعم وتطوير الطرق ووسائل النقل متعدد الوسائط الى البلاد العربية والإفريقية مع خفض الرسوم الجمركية على الشاحنات والسيارات 0

13ـ زيادة الحصيلة النقدية من تجارة الحاويات والاستفادة من وفرة الائتمان والسيولة الحالية فى أسواق المال العالمية 0

14ـ محاكاة النظم الديمقراطية وتعدد النظم الجزئية فى اهتمامها بحقوق الإنسان ، ودورها فى قيادة المجتمع المدني 0

 

    ثانياً : الآثار السلبية للعولمة :

       إن العولمة في جانبها السلبي تتضمن عواقب خطيرة تتجسد في تهميش دور الدولة ومن ثم غياب خدماتها الأمنية والصحية والثقافية وغياب الضغوط والقواعد الحاكمة للسلوك، ومن ثم تظهر القوى الطامعة وتظهر الجريمة المنظمة ، وتظهر قوى الاستغلال والانتهازية والقهر والبلطجة، ويمكن توضيح أهم الجوانب السلبية فيما يلي :

  1ـ سحق الهوية والشخصية الوطنية المحلية وإعادة صهرها وتشكيلها في إطار هوية وشخصية عالمية، أي الانتقال بها من الخصوصية الخاصة إلى العمومية العامة ، بحيث يفقد الفرد مرجعيته ويتخلى عن انتمائه وولائه 0

ويتمثل ذلك في تنميط الحياة اليومية للشباب بحكم فراغ الشباب وخوائه وظهور نمط واحد يتصف بالتماثل الكوني ولا يظهر فيه أي أثر للثقافة الوطنية أو الهوية الدينية ، و ويكتسي هذا النوع درجة من التعقيد والخطورة لأنه يخضع المجتمعات إلى فراغ ذهني وثقافي بحكم ما ينتجه من قوالب جاهزة ومن اهتمامات تافهة ومن إقصاء للتطلعات الأساسية . (سناء محمود عابد الثقفي, فوزي الكردي,5/6/2009 http//drfouz.comp=32  )

 

   2ـ سحق الثقافة والحضارة المحلية والوطنية وإيجاد حالة اغتراب الإنسان والفرد ، وتاريخه الوطني والموروثات الثقافية والحضارية التي أنتجتها حضارة الآباء والأجداد أي فصل الجذع عن الجذور الممتدة ، وإيجاد شكل جديد من أشكال الثقافة العالمية يصنعها البشر جميعاً وليس خاص بأشخاص بذاتهم أو بمناطق فيه بذاتها ، وهو ما تضعه الآن وتقيمه وساءل الإعلام المختلفة 0

 

وتتمثل في عدم قدرة الشباب الذي تستهدفه العولمة الإعلامية على مواجهة هذا الغزو الإعلامي مما قد يدفع به إلى الاستكانة وربما إلى تغيير أنماط سلوكه بما يتلاءم مع خصائص المضامين الإعلامية الداعية إلى الاستهلاكية والإباحية والتبعية للنموذج الغربية. (سناء محمود عابد الثقفي, فوزي الكردي,5/6/2009 http//drfouz.comp=32  )

 

قال الرئيس العراقي صدام حسين: "هدف العولمة هو إلغاء النسيج الحضاري والاجتماعي للشعوب\" (العراق، 25/3/1997). ومن هنا القضاء على الهوية الثقافية والقومية وعلى تراث الأمم والشعوب الفكرية والحضارية . 

   3ـ سحق المصالح والمنافع الوطنية ونزوع العولمة إلى الانفتاح ومحاربتها أية قيود تحول بينها وبين ما تسعى إلى الوصول إليه ، عندما تكون القوى المناوئة لا تملك الدفاع عن مصالحها ،وفى واقع الأمر أن هذه إيجابية وليست سلبية لأن الكيانات الهشة الضعيفة الممتلئة بالفساد والتي تقوم على هدر الموارد سوف تختفي وتحل محلها كيانات أكثر قدرة وفاعلية 0

 

  4ـ استباحة الخاص الوطني وتحويله إلى كيان رخو ضعيف غير متماسك ، وبصفة خاصة عندما يكون هذا الخاص لايملك القدرة على التحول أو التطور أو إعادة تشكيل ذاته بشكل جديد قابل للتكيف مع العولمة 0

 

  5ـ السيطرة على الأسواق المحلية من خلال قوى فوقية تمارس سطوتها وتأثيرها ذو النفاذ القوى على الكيانات المحلية الضعيفة وتسحقها إلى مؤسسات تابعة لها 0

 

  6ـ فرض الوصاية الأجنبية باعتبار أن العولمة مصدرها أجنبي وأن هذا الأجنبي أكثر قوة ونفوذ، ومن ثم إذلال كل ما هو محلى والتنصل من إفرازاته وثماره، بل ممارسة القهر عليه في شكل درجات متفاوتة ومتصاعدة 0

 

ويؤخذ على العولمة وعلى هذا الذي يدعونه بالنظام العالمي الجديد أنه يخلو من أي منهج أخلاقي، ولذلك لجأ الفرنسيون إلى وضع الثقافة في خانة الاستثناء، لأنهم تنبهوا إلى أن قوة الإنتاج الثقافي الأمريكي تؤدي إلى التغيير التدريجي في معايير السلوك وأنماط الحيـاة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحداثة الغربية أخفقت في مجال القيم الأخلاقية التي بنيت على المنفعة، أو على مجرد الرغبة أو مجرد العقل، وأبعدت القيم الأخلاقية عن العلم، وعن الدين وبذلك أصبحت العولمة في انفلات عن قيم تحكمها وعن ضوابط إنسانية تحدد سلوكها، ولذلك فإننا نرى فلاسفة الغرب ممن يسمون بفلاسفة ما بعد الحداثة يهاجمون العقل الذي تصورته الحداثة أنه هو الحل السحري لمشاكل الإنسان، وأن العلم هو مفتاح السعادة، وإن انقطع عن القيم، وانفلت منها.

 

ويعتبر هذا الانفلات من القيم الأخلاقية والدينية عندهم تحررا فطالبوا بحرية الجنسية المثلية وغيرها من الموبقات مثل الشذوذ الجنسي وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث ومنع تعدد الزوجات وإباحة لزنى واللواط والحق في الإنجاب والإجهاض الاستنساخ والترويج للإباحية، والاختلاط ,....الخ وكل هذا من منظور الثقافة. ، وما إلى ذلك مما يخالف القيم الإسلامية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفرق بين التعلم النشط والتقليدى والمقارنة بين التعلم النشط والتقليدى

الاهداف العامة لتدريس الرياضيات للمرحلة الابتدائية

الحصول على كود الطالب | والتسجيل على منصة ادمودو edmodo | والمشروعات البحثية